عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

فصل العين والهاء

ع ه د :

قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(١) العهد في الأصل : حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال ، فسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا. وعهده تعالى تارة يكون بما ركزه في عقول المكلّفين وتارة يكون بما أمرهم به في كتابه وعلى ألسنة رسله ، وتارة بما يلزمه المكلف نفسه وإن كان ليس بلازم له في أصل الشرع كالنذور ، والكلّ مطلوب فيها الوفاء بها. وعلى ذلك قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً)(٢) وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أي اعملوا بما أمرتكم به وانتهوا عمّا نهيتكم عنه أوف لكم بعهدكم بأن أجازيكم بالحسنى وزيادة كما وعدتكم. وقوله : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) يجوز أن يسأل فيقال : ما فعل صاحبك؟ هل وفى بك أم لا؟ ولا غرو في ذلك فإن القدرة صالحة أن تسأل فيها المعاني كما تسأل الاجسام الناطقة ، وهو قريب من قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ)(٣) توبيخا بفاعل ذلك. وقيل : المعنى مسؤولا عنه من متقلديه هل حفظوه أولا؟ وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ)(٤). المفاعلة هنا باعتبار ما أمر الله خلقه ، فهذا عهده إليهم ، والتزامهم بذلك عهدهم إليه فتحقّقت المفاعلة. ومثله : (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ)(٥) ويجوز ـ على بعد ـ أن يكون مثل عاقبت وطارقت النّعل.

قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٦) أي لا يصيب عهدي من كان ظالما ، أي أماني. وقيل : إنّ المراد بالعهد التولية والتمكين من عهد فلان إلى فلان الخلافة. والمعنى : لا أولي ولاية شرعية من كان ظالما ، فإنه يقوّي متقوّيا ويغلب متغلّبا ، فلا عهد له شرعا.

__________________

(١) ٤٠ / البقرة : ٢.

(٢) ٣٤ / الإسراء : ١٧.

(٣) ٨ / التكوير : ٨١.

(٤) ٧٥ / التوبة : ٩.

(٥) ١٠ / الفتح : ٤٨.

(٦) ١٢٤ / البقرة : ٢.

١٦١

وقال ابن عرفة : أي لا يكون الظالم إماما. قوله : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ)(١). العهد هنا قيل : الوصية. ومثله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ)(٢) فلا حاجة إلى إخراجه عن موضوعه مع صحته إذ المعنى : ألم آمركم بعدم عبادة الشيطان؟ وقد أوصلنا أمرنا إلى آدم؟ قوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ)(٣) أي ميثاقهم وما هادنتموهم عليه.

قوله : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ)(٤) قيل : العهد هنا : الضمان ؛ يقال : عهد إليّ فلان في كذا ، أي ضمنته. وقيل : هذا في قوله تعالى ؛ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أي بما ضمنتكم من طاعتي. «أوف بعهدكم» بما ضمنتم من الفوز بالجنة. يقال : أمرته بأمر واستعهدته من آخر ، أي ضمنته بألا يفعله. وأنشد للفرزدق (٥). [من الطويل]

وما استعهد الأقوام من زوج حرّة

من الناس إلا منك أو من محارب

قوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ)(٦) يجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى الفاعل ، أي بما عهد الله إليهم من امتثال طاعاته واجتناب نواهيه ، وأن يكون مضافا للمفعول ، أي بما ألزم من وفاء أوامر الله تعالى. وفي الحديث : «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» (٧) العهد هنا : الذمّة ، وقد غلب المعاهد على من دخل دار الإسلام بأمان التجارة ونحوها. وباعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاهدين عهدة. وقولهم : في هذا الأمر عهدة لما أمر به أن يستوثق منه ، وباعتبار التّفقد في أحواله قيل للمطر عهد وعهاد. ومنه : روضة معهودة ، أي أصابها العهاد. وفي حديث أمّ زرع : «ولا يسأل عمّا عهد» (٨) أي عمّا علمه في البيت من طعام ونحوه ؛ تصفه بالكرم. قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٩) فسّر بالتوحيد. ولا شكّ أنه من أوثق العهود.

__________________

(١) ٦٠ / يس : ٣٦.

(٢) ١١٥ / طه : ٢٠.

(٣) ٤ / التوبة : ٩.

(٤) ٢٥ / الرعد : ١٣.

(٥) الديوان : ١١٣.

(٦) ٢٠ / الرعد : ١٣.

(٧) النهاية : ٣ / ٣٢٥.

(٨) النهاية : ٣ / ٣٢٦.

(٩) ٨٧ / مريم : ١٩.

١٦٢

ع ه ن :

قوله تعالى : (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)(١). العهن : الصوف الملوّن ، واحدته عهنة. وما أبلغ هذا التشبيه! وتخصيص العهن لما فيه من اللون بالذكر كتخصيص الوردة بالذكر في قوله : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ)(٢). ومن كلام العرب : رمى على عواهنه (٣). أي أورده من غير فكر ورويّة. وفي الحديث : «ائتني بجريدة واتّق العواهن» (٤) قيل : العواهن : السّعفات اللواتي تلي القلب (٥) ... على موتها. والعواهن أيضا : عروق رحم الناقة.

فصل العين والواو

ع وج :

قوله تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ، قَيِّماً)(٦). العوج : العطف عن حالة الانتصاب. يقال : عجت البعير بزمامه. وفلان ما يعوج عن شيء يهمّ به ، أي يرجع. وأنشد لجرير (٧) : [من الوافر]

أهل أنتم عائجون بنا لأنّا

نرى العرصات أو أثر الخيام

وقيل : عاج بمكان كذا ، أي أقام به ، ومنه هذا البيت. وفي حديث إسماعيل : «هل أنتم عائجون؟» (٨) قيل : معناه مقيمون. والعوج بالكسر في المعاني دون الجثث ، نحو : «ويبغونها عوجا» (٩). يقال : في دينه وأمره عوج. وبالفتح في الجثث نحو : في هذا

__________________

(١) ٥ / القارعة : ١٠١.

(٢) ٣٧ / الرحمن : ٥٥.

(٣) أي رمى الكلام.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٢٧.

(٥) بياض في الأصل. وفي النهاية : من النخلة.

(٦) ١ ، ٢ / الكهف : ١٨.

(٧) الديوان : ٥٦٥.

(٨) النهاية : ٣ / ٣١٥.

(٩) ١٩ / هود : ١١.

١٦٣

الحائط عوج ، وعلى هذا فيحتاج إلى الجواب عن قوله تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(١) وأجيب بأنه قصد بذلك المبالغة ، فجعلت الأرض بمنزلة المعنى الذي لو تحرّى فيها كلّ مهندس بحذقه وسوّاها لظهر عند تحقق التسوية أنّ فيها بعض (٢) عوج. فنفى ذلك القدر المتوهّم عن الأرض يوم القيامة. وفي الحديث : «سوارا من عاج» (٣). قال القتيبيّ : هو الذّبل (٤) وأنشد الهذليّ ؛ هو أبو خراش يذكر امرأة (٥) : [من الطويل]

فجاءت كخاصي العير لم تحل جاجة

ولا عاجة منها تلوح على وشم

هذا مثل. يقال : جاء فلان كخاصي الحمار ، أي منكسرا. والعاجة : الذّبلة ، والجاجة : خرزة تافهة لا تساوي فلسا. وفي الحديث : «ثم عاج رأسه» (٦) أي لفتها. عجت الناقة : لويت رأسها وعطفتها بزمامها. والأعوج يكنّى به عن السيء الخلق. والأعوجيّة : خيل منسوبة إلى أعوج ؛ فحل مشهور. وهو مذكور في أشعارهم.

ع ود :

قوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا)(٧). العود : الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه ؛ إمّا انصرافا بالذات أو بالقول والعزيمة. قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا)(٨) اختلفوا في العود ؛ فقيل : هو أن يمسك المظاهر زمنا يمكنه أن يطلقها فيه ، وعند أهل الظاهر أن يقول ذلك مرة ثانية. وقال أبو حنيفة : العود في الظّهار : أن يجامعها بعد أن ظاهر منها. قال بعض الناس. المظاهرة هي يمين نحو أن يقول : امرأته عليه كظهر أمّه إن فعل كذا. فمتى فعل ذلك حنث ولزمته الكفارة بما بيّنه الله تعالى في هذا الكتاب. وقوله : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما

__________________

(١) ١٠٧ / طه : ٢٠ ، العوج : المنخفض ، والأمت : المرتفع.

(٢) الكلمة من : م ، ولعلها أصوب.

(٣) النهاية : ٣ / ٣١٦ ، وفيه «سوارين». قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لثوبان.

(٤) وقيل : شيء يتخذ من ظهر السّلحفاة البحرية. فأما عاج الفيل فنجس عند الشافعي وطاهر عند أبي حنيفة.

(٥) ديوان الهذليين : ٢ / ١٢٩.

(٦) النهاية : ٣ / ٣١٦ ، وهو لأبي ذر.

(٧) ٢٨ / الأنعام : ٦.

(٨) ٣ / المجادلة : ٥٨.

١٦٤

قالُوا) نحمله على فعل ما حلف له أن لا يفعل ، وذلك كقولهم : حلف فلان ثم عاد إذا فعل. وقال الأخفش : قوله : (لِما قالُوا) يتعلق بقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(١) ، وهذا يقوّي القول الأخير. قال : ولزوم هذه الكفّارة ، إذا حنث ، كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله تعالى. والحنث في قوله : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ)(٢).

قوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٣). وقيل : هي مكة. وقيل : المعنى لباعثك. ومنه يقال : فلان يذكر المعاد ، أي المبعث في الآخرة. قوله : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا)(٤) أي لتصيرنّ. وإنما يؤول بذلك لأنّ شعيبا عليه‌السلام لم يكن قطّ على ملّتهم حتى يعود إليها. والعرب تقول : عاد عليّ من فلان مكروه ، يريدون صار منه إليّ ووصل. وقيل : هو على حذف مضاف أي : أو لتعودنّ أصحاب شعيب. وقيل : المخاطب قومه. وفي الحديث : «وددت أنّ هذا اللبن يعود قطرانا» (٥). وأنشد النحويون على كونها بمعنى صار قول الشاعر : [من الطويل]

وربّيته حتى إذا ما تركته

أخا القوم واستعفى عن المسح شاربه

وبالمحض حتى عاد جورا عنطنطا

إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه

قوله : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)(٦) أي يخترع من غير مثال ثم يعيد ذلك الذي بدأه من غير إخلال. وإنما قال : (وَيُعِيدُ) بعد قوله : (يُبْدِئُ) وإن كان الإعادة أسهل منبّهة أنه قد يعدل الصانع عن صنعته الأولى فلا يعيد المصنوع على هيئته الأولى. وفي الحديث : «إنّ الله يحبّ الرجل القويّ المبدىء المعيد على الفرس» (٧) المبدىء المعيد قال أبو عبيد : هو الذي أبدأ في غزوة وأعاد ، أي غزا مرة بعد مرة ، وجرّب الأمور فأعاد فيها. قال : فالفرس المبدىء المعيد : هو الذي ريض وأدّب ، والفارس يصرفه كيف شاء. وقيل : هو الذي غزا

__________________

(١) ٩٢ / النساء : ٤ ، وغيرها.

(٢) ٨٩ / المائدة : ٥.

(٣) ٨٥ / القصص : ٢٨.

(٤) ٨٨ / الأعراف : ٧.

(٥) النهاية : ٣ / ٣١٧ ، أي يصير.

(٦) ١٣ / البروج : ٨٥.

(٧) النهاية : ٣ / ٣١٦.

١٦٥

عليه مرة بعد أخرى. والعود : البعير الذي يعاود السفر عليه. ومنه قول امرىء القيس (١) :

على لا حب لا يهتدي بمناره

إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا

وما أحسن قول الآخر : [من المنسرح]

كلّ بنات المخاض راتعة

والعود في رحله وفي قتبه

ولا يبالي بضنك مضجعه

من راحة العالمين في تعبه

ويقال : ناقة عودة وعودتان وعودة نحو هرّ وهررة. والعادة : اسم لتكرير الفعل أو الانفعال حتى يسهل تعاطيه فيصير كالطّبع. ومن ثمّ قيل : العادة طبع خامس ، والعادة طبيعة ثانية. والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى. ومنه قوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً)(٢) أي وقت سرور. وأصله من ذوات الواو ، تصغيره عييد ، وجمعه أعياد ، وكان قياسه عويد وأعواد لزوال الموجب للقلب. وإنما أبقوه على حاله فرقا بينه وبين عود الحطب تصغيرا وتكسيرا. وخصّ العيد في شريعتنا بيوم فطرنا ويوم نحرنا. قيل : ولما كان يوم العيد في شريعتنا وقت سرور ، كما نبّه عليه الصلاة والسّلام عليه بقوله : «أيام أكل وشرب و [بعال]» (٣) ، صار ذلك اسما (٤) لكلّ وقت فيه مسرّة. والعيد أيضا : كلّ حالة تعاود الإنسان.

والعائدة : تطلق على كلّ نفع يرجع إلى الإنسان منه شيء. وقوله تعالى : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٥) وقد تقدّم أنه مكة. أو المعاد قال الراغب (٦) : والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين وذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ إنّ ذلك [إشارة إلى] الجنة التي خلقه فيها بالقوّة في ظهر آدم صلوات الله وسلامه عليه وأظهره من حيث قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(٧).

__________________

(١) الديوان : ٦٧. اللاحب : الطريق الواضح الذي لحبته الحوافر ، أي أثرت فيه. العود : الجمل المسنّ. جرجر : رغا وضج.

(٢) ١١٤ / المائدة : ٥.

(٣) النهاية : ١ / ١٤١ ، والإضافة من النهاية ومن م. البعال : النكاح.

(٤) في ح : اسم ، وفي س : وقت ، والتصويب من م.

(٥) ٨٥ / القصص : ٢٨.

(٦) المفردات : ٣٥٢ ، والإضافة منه.

(٧) ١٧٢ / الأعراف : ٧.

١٦٦

والعود : البعير المسنّ ـ كما تقدم ـ سمي بذلك إمّا بمعاودته السّير فيكون في معنى الفاعل ، وإمّا بمعاودة السنين إياه وعود سنة عليه بعد أخرى فيكون بمعنى المفعول ـ وعلى كلا التقديرين فهو في الأصل مصدر وضع موضع الفاعل أو المفعول. والعود أيضا : الطريق القديم الذي يعود السّفر إليه مرة بعد أخرى. فهو موضوع المفعول. ويقال : عدت المريض أعود عيادا أو عيادة. قال الشاعر : [من الوافر]

ويمرض كلبكم فأعود (١)

وبهذا سمي عائد الكلب ، وهو من الألقاب المشهورة. والعيديّة : إبل منسوبة إلى فحل يقال له العيد. والعود من الخشب ، قيل : سمي بذلك لأنه في الأصل مأخوذ من شجر إذا قطع أخلف غيره ، وغلب على آلة اللهو وعلى الطّيب المعروف الذي يتبخّر به. وتصغيره عويد ، وجمعه أعواد. والعودان : منبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصاه.

ع وذ :

قوله : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)(٢) أي التجىء إليه ولذ بجنابه القويّ. وحقيقته : اسأل العوذ ، وهو الالتحاق والتعلق بالشيء ثقة به. يقال : عاذ بكذا يعوذ عوذا وعياذا ومعاذا. وقول الشاعر (٣) : [من البسيط]

ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا

وعائذا بك أن يغلوا فيطغوني

عائذا هنا اسم فاعل ووقع موقع المصدر ، أي وعياذا بك من أن يغلوا ، كما قام المصدر مقام اسم الفاعل في نحو : رجل عدل ، في أحد الأقوال. قوله تعالى : (مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ)(٤) أي نلتجىء إليه ونستعين به أن نفعل ذلك فإنه سوء يتحاشى منه غيرنا فكيف بنا ونحن أبناء نبيّ الله؟ والمعاذ أيضا ما يعاذ به. ومنه الحديث : «لقد عذت بمعاذ» (٥) والله تعالى معاذ من عاذ به أي تمسّك به وامتنع. والمعوّذتان : السورتان المشهورتان آخر القرآن

__________________

(١) الشطر لعبد الله بن مصعب ذكره المبرد في الكامل ، وتاج العروس مادة (ع ود).

(٢) ٢٠٠ / الأعراف : ٧ ، وغيرها.

(٣) البيت لعبد الله السهمي (اللسان ـ مادة عوذ).

(٤) ٧٩ / يوسف : ١٢.

(٥) النهاية : ٣ / ٣١٨.

١٦٧

لتصدّرهما بالعوذ (١). وفي الحديث : «كان يعوّذ نفسه بالمعوّذتين» (٢). وفي الحديث : «ومعهم العوذ المطافيل» (٣) قيل : العوذ جمع عائذ ، وهي في الأصل الناقة التي تضع ، وبعد وضعها تقعد أياما حتى يقوى ولدها. والمطافيل : جمع مطفل وهي الناقة معها فصيلها. والمراد بذلك في الحديث النساء والصبيان. والعوذ بالضمّ : ما يعاذ به من الشرّ ، ومنه قيل للتّميمة والرّقية عوذة وعوذة. وكلّ أنثى وضعت فهي عائذ إلى سبعة أيام.

وقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)(٤) ظاهره تأخر الاستعاذة عن القراءة. وتأويله : فإذا أردت. وقد حقّقنا هذا في «الدرّ المصون» وفي «القول الوجيز».

ع ور :

قوله تعالى : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ)(٥) أي معوّرة ، أي غير حصينة ؛ ممكنة للسّراق. وأصل العورة سوءة الإنسان كناية عن فرجه ودبره ، وهي من العار ، وذلك لما يلحق في ظهورها من العار ، وهي المذمومة. ومن ثمّ سميت النساء عورة. والعوارء : الكلمة القبيحة والفعلة السيئة. وقال حاتم الطائيّ (٦) : [من الطويل]

وأغفر عوراء الكرام ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما

وعورت عينه عورا ، وعارت (٧) عينه عورا. قال الشاعر : [من البسيط]

لو لا الحياء وباقي الدّين عينكما

ببعض ما فيكما ادّعيتما عوري

وعوّرت عينه ـ بالتشديد ـ وعوّرت البئر. وقيل للغراب أعور لحدّة نظره ، قيل : وهو من العكس للتهكّم ، وإليه نحا الشاعر بقوله (٨) : [من الخفيف]

__________________

(١) وهما : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ».

(٢) الترمذي ، الدعوات : ١١٣.

(٣) النهاية : ٣ / ٣١٨ ، من حديث الحديبية.

(٤) ٩٨ / النحل : ١٦.

(٥) ١٣ / الأحزاب : ٣٣ ، أي قاصية يخشى عليها العدو.

(٦) الديوان : ٨١ ، وفيه : وأصفح عن ، ادخاره : إبقاء له ، وهو مفعول لأجله.

(٧) في الأصل : وعرت. ولعله يريد القول : وعوّرت عينه ، وهدا جائز ، كما سيأتي.

(٨) عجز ذكره اللسان ـ مادة عور ، وكذا المفردات : ٣٥٣ ، والتاج ـ مادة عور.

١٦٨

وصحاح العيون يدعون عورا

والعوار والعورة : سوء في الثوب والبيت ونحوهما ، ومنه : «إنّ بيوتنا عورة» أي متخرّقة ممكّنة ممّن أرادها. وفلان يحفظ عورته. أي يسدّ (١) خلل نفسه وأهله. قال الشاعر (٢) : [من المنسرح]

والحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم وكف

والمعاورة : التداول ؛ يقال : تعاورنا كذا ، أي تداولناه بيننا. وتقول النحاة : الإعراب : يعتور على الكلمة ، أي يختلف. وقيل : المعاورة في معنى الاستعارة. والعاريّة قيل هي من المعاورة لانتقال العين المعارة من واحد إلى آخر. وأصلها عوريّة فقلبت الواو ، وتخفيف يائها خطأ. ومنه : تعاورنا العواري. وقيل : هو من العار ، لأنّ دفعها يورث المذمّة والعار ، كما قيل في المثل : «إنه قيل للعارية : أين تذهبين؟ فقالت : أجلب إلى أهلي مذمّة وعارا» قال الراغب (٣) : وهذا لا يصحّ من حيث الاشتقاق فإنّ العارية من الواو لقولهم : تعاورنا. والعار من الياء لقولهم : عيّرته بكذا.

قوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ)(٤) أي نصف النهار وآخره وبعد العشاء الآخرة. وقيل لها عورات لأنّ الناس يلقون ثيابهم في هذه الساعات لكونها مظنة الوحدة. قوله : (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ)(٥) أي الذين لا يصفون النساء لعدم بلوغهم مبلغ الرجال. وسهم عائر لا تدري من أين جاء ، وفرس عائر كذلك. ولفلان عائرة عين من الماء ، أي ما يعور العين ويحيّرها لكثرته.

__________________

(١) وفي الأصل : يسدد.

(٢) البيت ذكره الجوهري (التاج ـ مادة وكف). وقال شارح القاموس : هو من أبيات الكتاب أنشده ابن السكيت لعمرو بن امرىء القيس الخزرجي ، وذكره أبو زكريا التبريزي. ويروى لقيس بن الخطيم ، وقيل لشريح بن عمران القضامي ، ورواه سيبويه لرجل من الأنصار. والصحيح أنه لمالك بن عجلان الخزرجي.

(٣) المفردات : ٣٥٣ ، وفيه المثل.

(٤) ٥٨ / النور : ٢٤.

(٥) ٣١ / النور : ٢٤.

١٦٩

ع وق :

قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ)(١) يعني المثبّطين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. يقال : عقته أعوقه عوقا ، أي صرفته. والعائق : الصارف عما يراد من خير. ومنه : عوائق الدهر. ورجل عوق وعوقة : يعوق الناس عن الخير. «ويعوق» (٢) اسم صنم ، ويقال : عاقه وعقاه ، بالقلب.

ع ول :

قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا)(٣) أي ألّا تجوروا. والعول : الجور والشّطط ، ومنه قول أعرابيّ لحاكم حكم عليه : أنت تعول عليّ ، أي تميل. ومنه عالت الميزان. والعول أيضا : الرفع. والعول أيضا : الزيادة ، ومنه : العول في الفرائض لأنها زيادة في أنصباء المفروض لهم. وقيل : العول : تحمّل المؤن والبقل ، ومعنى الآية على هذا : ألا تموّنوهنّ. ومنه قوله عليه‌السلام : «وابدأ بمن تعول» (٤). وقد فسّر الشافعيّ الآية بأنّ معناه : ألّا يكثر عيالكم. وقد اعترض عليه بعض الناس رادّا عليه بأن هذه من الواو ، والعيلة من الياء. وهذا غلط ممن اعترض به ؛ فإن الشافعيّ أراد السبب الذي هو العيال فإنّ به يحصل العول. وقد بيّنا هذا ، وأيضا فقد قال الكسائيّ : يقال : عال الرجل يعول : إذا كثر عياله ، فهذا خير من أئمة الدين ، قد فسّر لفظه بما يوافق معناها لفظها بدليل ما حكاه هذا الإمام. إلّا أنّ الهرويّ قال : واللغة الجيدة أعال (٥) ، وعاله يعوله أيضا : غلبه ؛ ومنه الحديث : «فلما عيل صبري» (٦) أي غلب. ومن أمثالهم : «عيل ما هو عائله» (٧) أي غلب ما هو غالبه. وقال

__________________

(١) ١٨ / الأحزاب : ٣٣.

(٢) ٢٣ / نوح : ٧١. يعوق : في قرية بصنعاء. عبدته همدان ومن والاها من أرض اليمن (الأصنام : ١٠ و ٥٧).

(٣) ٣ / النساء : ٤.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٢١ ، من حيث النفقة.

(٥) أي : أعاله يعيله.

(٦) النهاية : ٣ / ٣٢٢ ، من حديث سطيح.

(٧) المستقصى : ٢ / ١٧٤. ويروى : «عيل ما عاله».

١٧٠

بعضهم : عاله وغاله متقاربان ، لكن الغول فيما يهلك ، والعول فيما يثقل. وفي المثل : «ما عالك فهو عائل لي» أي ما أثقلك أثقلني. والعول : ترك النّصفة بأخذ الزيادة.

والعويل : البكاء ؛ قال الشاعر (١) : [من الوافر]

بكت عيني وحقّ لها بكاها

وما يغني البكاء ولا العويل

والتّعويل : الاعتماد على الغير فيما يثقل من العول ، وهو ما يثقل من المصيبة. ومنه قولهم : ويله وعوله. وعاله : تحمّل مؤنة ثقله. وفي الحديث : «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول».

ع وم :

قوله تعالى : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ)(٢) العام : اثنا عشر شهرا كالسنة ، إلّا أنّ العام إذا أطلق غلب في الخصب والسّنة في الجدب. قوله : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٣) في كون المستثنى منه بلفظ السّنة والمستثنى بلفظ العام لطيفة حسنة وهو أنّ هذه الخمسين بقاؤه بعد هلاك قومه ، فهي أعوام خير حيث هلك الكفرة المتمردة.

وبسطه في غير هذا.

ع ون :

قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(٤). العوان : النّصف من السنين ؛ يقال : امرأة عوان أي نصف ، والجمع عون. وأنشد (٥) : [من الوافر]

__________________

(١) البيت لحسان بن ثابت كما في الديوان : ٢ / ٥٠٤ ، والحماسة البصرية. وهو في اللسان منسوب إلى حسان ومعزوّ ـ حسب رواية ابن إسحاق ـ إلى عبد الله بن رواحة ، وأنشده أبو زيد لكعب بن مالك. وهو مطلع لقطعة.

(٢) ٤٩ / يوسف : ١٢.

(٣) ١٤ / العنكبوت : ٢٩.

(٤) ٦٨ / البقرة : ٢ ؛ لا مسنة ولا فتية.

(٥) صدر البيت في اللسان ـ مادة عون. وعجزه :

طوال مشكّ أعقاد الهوادي.

١٧١

نواعم بين أبكار وعون

وإلى معنى التّوسّط بين السنين أشار الشاعر بقوله (١) : [من البسيط]

وإن أتوك وقالوا : إنها نصف

فإنّ أطيب نصفيها الذي ذهبا

ومن هذا استعير للحرب التي تكرّرت فقيل : الحرب العوان. وقيل للنّخلة القديمة : عوانة. والعانة : قطيع حمر الوحش ، والجمع عون وعانات. والعانة أيضا من الآدميّ : الشعر النابت على فرجه. والعون والمعاونة : المظاهرة. ومنه قوله تعالى : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٢) أي نطلب عونك. وأعانه يعينه إعانة. قال تعالى : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)(٣) أي ساعدوني. وفي الحديث : «والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» (٤).

فصل العين والياء

ع ي ب :

قوله تعالى : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها)(٥) أي أجعل فيها عيبا. والعيب والعاب : ما يصير به الشيء عيبة ، أي مقرّا للنّقص. وعبته : جعلته معيبا إمّا بالفعل كقوله : (أَنْ أَعِيبَها) ، وإمّا بالقول وذلك إذا ذممته. والعيبة : ما بستر فيه الشيء ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الأنصار كرشي وعيبتي» (٦) أي موضع سرّي. وفي حديث آخر : «أنّ بيننا وبينهم عيبة مكفوفة» (٧) روي عن الأعرابيّ في تفسيره : إنّ بيننا صدرا نقيا من الغلّ والدّغل (٨). والعرب تكني عن الصدر

__________________

(١) الشاهد في المفردات : ٣٥٤. وفي رواية التاج ـ مادة نصف ـ أنشده ابن الأعرابي : الذي كبرا.

(٢) ٥ / الفاتحة : ١.

(٣) ٩٥ / الكهف : ١٨.

(٤) مسند ابن حنبل ، ٢.

(٥) ٧٩ / الكهف : ١٨.

(٦) النهاية : ٣ / ٣٢٧.

(٧) النهاية : ٣ / ٣٢٧.

(٨) الدغل : الفساد.

١٧٢

بالعياب على الاستعارة ؛ فإن العيبة وعاء المتاع كالصدور فإنها وعاء الضمائر. ومنه قول الشاعر (١) : [من الطويل]

وكادت عياب الودّ منّا ومنكم

وإن قيل : أبناء العمومة تصفر

أراد الصدر. وقيل : أراد أنّ بيننا وبينهم موادة ومكافّة تجري مجرى المودة بين المتحابّين.

ع ي ر :

قوله تعالى : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ)(٢) قيل : هم أصحاب الإبل والإبل الحاملة للميرة ، فهو اسم للمجموع. وقد يطلق على كلّ واحد منهما على انفراده. ونسبة السرقة (٣) إنّما تصحّ للناس فقط. وقيل : العير : الإبل والحمير التي تحمل عليها الأحمال ، وأراد أصحاب العير كقوله عليه الصلاة والسّلام : «يا خيل الله اركبي» (٤). والعير لفظ مشترك بين ما ذكرنا وبين الحمار الوحشيّ وبين الناشز على ظهر القدم وبين إنسان العين وبين العظم الذي تحت غضروف الأذن وبين ما يعلو الماء من الغثاء وبين الوتد وبين حرف النّصل. وأراد بعضهم أن يجعل بين الجميع قدرا مشتركا فيكون متواطئا. قال الراغب (٥) : ومناسبة بعضها لبعض فيها تعسّف.

والعيار : تقدير المكيال والميزان ، ومنه عيّرت الدنانير ، أي جعلت لها عيارا. وعيّرته : ذممته ، من العار. وتعاير بنو فلان : تذاكروا العار (٦). وتعاطوا العيارة ، أي الحيلة ، وأصله انفلات العير وانحلاله. ومنه العيّار وهو المحتال. وعيّرته بكذا ، أي ذكرت له مذمّة ما يخشاه. قال الشاعر (٧) : [من البسيط]

__________________

(١) الشاهد في اللسان ـ مادة عيب.

(٢) ٧٠ / يوسف : ١٢.

(٣) الواردة في تتمة الأية : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).

(٤) النهاية : ٢ / ٩٤. هذا الحديث على حذف المضاف ؛ أراد : يا فرسان خيل الله ...

(٥) المفردات : ٣٥٣.

(٦) وفي اللسان : عيّر بعضهم بعضا.

(٧) البيت للنابغة كما في الديوان : ٨٣ ، وفيه : قد عيرتني ... أخشاه. ورواية الأصل مناسبة لرواية اللسان.

١٧٣

وعيّرتني بنو ذبيان خشيته

وهل عليّ بأن أخشاك من عار؟

وعارت الدابة تعير (١) : انفلتت. وفي الحديث : «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين» (٢) أي المترددة (٣). وجمع العير عيران ـ بفتح الياء ـ وهو شاذّ. قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

غشيت ديار الحيّ بالبكرات

فعارمة فبرقة العيرات

وجمع العير أعيار. قال الشاعر (٥) : [من الطويل]

أفي السّلم أعيارا جفاء وغلظة

وفي الحرب أمثال النساء العوارك

وفي الحديث : «إذا توضّأت فأمرّ الماء على عيار الأذنين» (٦). العيار : جمع عير وهو الناتىء المرتفع من الأذنين ، وقد تقدّم.

ع ي س :

قوله تعالى : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ)(٧) عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس عربيا ، وقد جعله بعضهم عربيا ، وتكلم في اشتقاقه. قال الراغب (٨) : إذا جعل عربيا أمكن أن يكون من قولهم : بعير أعيس وناقة عيساء ، وجمعها عيس ؛ وهي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة. أو من العيس وهو ماء الفحل. يقال : عاسها يعيسها : إذا طرقها عيسا ، فهو عائس ، والصحيح أنه معرب لا عربيّ كموسى.

__________________

(١) في الأصل : تعيرا.

(٢) النهاية : ٣ / ٣٢٨.

(٣) يعني المترددة بين قطيعين ، لا تدري أيّهما تتبع.

(٤) الديوان : ٧٣.

(٥) اللسان ـ مادة عير. وفيه : ... أشباه النساء.

(٦) النهاية : ٣ / ٣٢٩.

(٧) ١١٠ / المائدة : ٥.

(٨) المفردات : ٣٥٣.

١٧٤

ع ي ش :

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ)(١) هو جمع معيشة ، وهو ما يعاش به من زرع وضرع وغيرهما. والمشهور معايش بالياء صريحة لأنها أصل والميم زائدة (٢). وقد خرج خارجة في همزها ، وهذا كما شذّوا فقالوا : مصائب ومنائر والأصل مصاوب ومناور حملا للأصل على الزائد. ومعيشة قياس عند سيبويه إذ وزنها مفعلة بضمّ العين فقلبت الضمة كسرة لتصحّ الياء ، وشاذّ عند الأخفش إذ الأصل عنده في مثله أن تقرّ الحركة ويغيّر لها الحرف ، هذا إذا قلنا : (وزنها مفعلة بالكسر (٣) فلا شذوذ على المذهبين. وزعم الفراء أنّ عينها) (٤) مفتوحة في الأصل وليس بصواب ؛ إذ لو ان كذلك لقالوا معاشة مثل مقامة ، وهو في الأصل مصدر لعاش أي بقي حيا. ومثلها المعاش والعيش والمعيش. قال تعالى : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً)(٥) وقال آخر (٦) : [من الرجز]

أشكو إليك شدّة المعيش

وجهد أعوام برين ريشي

والعيشة بمعناها أيضا قال تعالى : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٧) وهي في الأصل حالة المعايش. وعائشة : علم مشهور للتفاؤل نحو يعيش ويحيا. قال بعضهم : العيش : الحياة المختصة بالحيوان ، وهو أخصّ من الحياة ، لأن الحياة تقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملك ، ومنه قوله عليه‌السلام : «لا عيش إلا عيش الآخرة» (٨) كان إذا رأى شيئا من متاع الدّنيا قاله تعليما لنا وتسلية لقلوبنا.

__________________

(١) ١٠ / الأعراف : ٧.

(٢) أكثر القراء على ترك الهمزة في معايش إلا ما روي عن نافع فإنه همزها. وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ (اللسان ـ مادة عيش). وقرأها خارجة عن نافع والأعرج بالهمز (مختصر الشواذ : ٤٢).

(٣) وفي م : بالضم.

(٤) ما بين قوسين ساقط من س.

(٥) ١١ / النبأ : ٧٨.

(٦) البيت لرؤبة (التاج ـ عيش) ، وتصويب العجز منه. وفي الأصل :

وجذب أعوام بيض ريش

(٧) ٢١ / الحاقة : ٦٩.

(٨) صحيح البخاري ، الجهاد : ٣٣.

١٧٥

ع ي ل :

قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً)(١) أي فقرا. يقال : عال يعيل عيلة فهو عائل ، أي افتقر ، ومنه قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٢) أي أزال عنك فقر النفس ، وجعل لك الغنى الأكبر المعنيّ بقوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّما الغنى غنى النفس» (٣). وقيل : معناها : وجدك فقيرا إلى رحمته وعفوه فأغناك بما غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ، ولا غنى أفضل من ذلك. ويقال : ما عال من اقتصد ، أي افتقر من سلك في نفقته القصد ، كقوله : (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) الآية (٤). وفي الحديث : «إنّ الله يبغض العائل المختال» (٥).

والعالة : جمع عائل نحو القادة جمع قائد ، ومنه الحديث : «خير من أن تتركهم عالة» (٦) أي فقراء. وفي الحديث : «وإنّ من القول عيلا» (٧). قال صعصعة : هو عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده وليس من شأنه. وقال أبو عبيدة عن أبي زيد : علت الضالّة أعيلها عيلا : إذا لم تدر أيّ وجهة تبغيها ، كأنه لم يهتد لمن يطلب كلامه فعرضه على من لا يريده. وقال أبو بكر : عال الرجل في الأرض يعيل ، أي ضرب فيها. وقال الأحمر : يقال : عالني الشيء يعيلني عيلا ومعيلا : إذا أعجزك.

ع ي ن :

قوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)(٨) العين : الجارحة وهي أشهر الألفاظ المشتركة ، ولها معان كثيرة منها الجارحة كما تقدّم ، ومنها عين الماء ، وعين الميزان ، وعين الذهب ، وعين

__________________

(١) ٢٨ / التوبة : ٩.

(٢) ٨ / الضحى : ٩٣.

(٣) صحيح البخاري ، رقاق : ١٥. وفيه : « ... ولكن الغنى ..».

(٤) ٦٧ / الفرقان : ٢٥.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٣٠. العائل : الفقير.

(٦) النهاية : ٣ / ٣٣١.

(٧) النهاية : ٣ / ٣٣١. وقول صعصعة مذكور فيه من غير عزو.

(٨) ٤٥ / المائدة : ٥.

١٧٦

الشمس. والعين أيضا : المرئية للقوم تسمية للكلّ باسم الجزء المقصود. قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا)(١) أي بحفظّنا وكلاءتنا. ومثله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي)(٢) أي لتربّى على حفظ مني لك ومراعاة ، فاستعير ذلك من ذلك من حفظ العين ، لأن الحراسة فيما يتعارفه الناس تكون بملاحظة النظر. والباري تعالى منزه عن الجوارح. ومن كلامهم : فلان بعيني ، أي احفظه وأراعيه ، فجاء القرآن على هذا الأسلوب. وحاول الراغب (٣) أن يجعل العين من باب المشترك في المعنى ، وهو المتواطىء لا المشترك اللفظيّ فقال : وتستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة. واستعير للثّقب في المزادة تشبيها بها في الهيئة وفي سيلان الماء منها ، واشتقّ منها : سقاء عين ومعين : إذا سال منها الماء.

وقولهم : عيّن قربتك ، أي صبّ فيها ما ينسدّ بسيلانه آثار خرزه. قال (٤) : وقيل للمتجسّس : عين ، تشبيها بها في نظرها ، وذلك كما تسمّى المرأة فرجا والمركوب ظهرا ، فيقال : فلان يملك كذا كذا فرجا وكذا كذا ظهرا لمّا كان المقصود منهما العضوين. وقيل للذهب عين تشبيها في كونها أفضل الجوارح. ومن ثمّ قالوا لأفاضل القوم أعيان. ويقولون لبني أب أو أمّ أعيان. وقال بعضهم : العين إذا استعمل في معنى ذات الشيء يقال لكلّ ماله عين كاستعمال الرقبة في المماليك وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه المقصود منهنّ (٥). ويقال لمنبع الماء عين تشبيها بها لما فيها من الماء. ومن عين الماء اشتقّ : ماء معين (٦) ، وعنته : أصبته بعيني ، نحو سفته : أصبته بسيفي ، وذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو : رأسته ، وتارة من الجارحة التي هي آلة الضرب فيجري مجرى سفته ورمحته. وعلى نحوه في المعنيين قولهم : يديت ؛ فإنه يقال إذا أصبت يده وإذا أصبته بيدك. وعنت البئر : أثرت عينها.

__________________

(١) ٣٧ / هود : ١١.

(٢) ٣٩ / طه : ٢٠.

(٣) المفردات : ٣٥٥.

(٤) يعني الراغب.

(٥) في الأصل : منها.

(٦) أي ظاهر للعيون.

١٧٧

قوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ)(١) جمع عيناء ، وأصله في بقر الوحش. فقولهم : رجل أعين وامرأة عيناء ، أي حسنة العين. قوله : (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٢) قيل : هو مشتقّ من العين ، أي ظاهر للعين. وقيل : معناه : جار ظاهر. قال ثعلب : يقال : عان الماء يعين : إذا ظهر جاريا. وأنشد لجرير (٣) : [من الكامل]

إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا

وشلا بعينك لا يزال معينا

وأنشد للأخطل : [من الكامل]

حبسوا المطيّ على قديم عهد

طام يعين وغائر مسدوم

وقال الفراء : ميمه أصلية من الماعون (٤) وهو الزكاة ، وسيأتي بيانه في باب الميم. قوله : (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ)(٥) أي على مشهد.

ع ي ي :

قوله تعالى : (وَلَمْ يَعْيَ)(٦) أصل الإعياء عجز يلحق البدن من المشي. والعيّ يلحق من تولّي الأمر والكلام ، ويقال : هو عييّ بمنطقه ، استعارة من ذلك. وعيي الأمر : ضاق به. وقال الشاعر (٧) : [مجزوء الكامل]

عيّوا بأمرهم ، كما

عيّت ببيضتها الحمامه

__________________

(١) ٢٢ / الواقعة : ٥٦.

(٢) ٣٠ / الملك : ٦٧.

(٣) الديوان : ٥٧٨ ، وفيه : ما يزال. الوشل : الماء يسيل شيئا بعد شيء.

(٤) فتكون من مادة معن.

(٥) ٦١ / الأنبياء : ٢١.

(٦) ٣٣ / الأحقاف : ٤٦.

(٧) البيت لعبيد بن الأبرص كما في اللسان ـ مادة عيي. واختلفت روايته في الديوان (١٣٨) :

برمت بنو أسد كما

برمت ببيضتها الحمامة

١٧٨

وفي حديث أمّ زرع : «زوجي عياياء» (١) قيل : هو هنا العنّين الذي تعييه مباضعة النساء. ويقال : العجز والعجيز (٢) والحريك والعياياء من الإبل : الذي لا يضرب ولا يلقح ، وهو من الرجل كذلك. وقيل : رجل عياياء طباقاء ، إذا عيي بالأمر والكلام ، وداء عياء : لا دواء له.

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٣٣٤.

(٢) وقال الجوهري : هو بالراء والزاي جميعا.

١٧٩

باب الغين

فصل الغين والباء

غ ب ر :

قوله تعالى : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ)(١). قيل : الغابر من الأضداد ؛ يقال : غبر : مضى وذهب. وغبر : بقي. وقيل : الغابر : الماكث بعد مضيّ من معه. فقوله : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) يعني فيمن طالت أعمارهم. وقيل : فيمن بقي ولم يسر مع قوم لوط. وقيل : فيمن بقي في العذاب. وفي الحديث : «أنّه اعتكف العشر الغوابر في رمضان» (٢) أي البواقي المتأخرة ومن مجيء غبر بمعنى مضى قول الأعشى (٣) : [من السريع]

عضّ بما أبقى المواسي له

من أمّه في الزّمن الغابر

أي غبر بمعنى بقي. قولهم : الغبرة : لبقية اللبن في الضّرع. وجمعها أغبار. وغبر الحيض وغبر الليل : بقيّتهما. ومنه في حديث عمرو بن العاص : «ولا حملتني البغايا في غبّرات المآلي» (٤) هو جمع غبرة. وقال أبو عبيد : الغبّرات : البقايا ، الواحد غبرّة وغبّر جمع غابر ، فهو جمع الجمع. وهو تكلّف لم تدع إليه ضرورة ، أخبر أنه لم تتولّ تربيته الإماء ، كذا فسّره الهرويّ. وفسّره غيره بأنه لم تحمله الزّواني في بقية حيضهنّ. وأنشد لأبي كبير الهذليّ (٥) : [من الكامل]

ومبرّأ من كلّ غبّر حيضة

وفساد مرضعة وداء مغيل

__________________

(١) ١٧١ / الشعراء : ٢٦ ، وغيره.

(٢) النهاية : ٣ / ٣٣٧.

(٣) الديوان : ١٤٥.

(٤) المآلي : خرق الحيض (النهاية : ٣ / ٣٣٨).

(٥) ديوان الهذليين : ٢ / ٩٣.

١٨٠